قال المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض ومقره بريطانيا، إن الحملة العسكرية التي شنتها قوات النظام السوري في إدلب وحلب منذ منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، أدت إلى أكبر موجة نزوح على الإطلاق، حيث أجبرت نحو مليون مدني على النزوح من منازلهم.
وبحسب المرصد، اتسعت رقعة النزوح لتشمل مناطق جديدة في ريفي حلب الشمالي والشمالي الغربي بالإضافة لاستمرار النزوح من الريف الغربي لحلب.
ويشير المرصد إلى عجز المنظمات الإنسانية عن احتواء ومساعدة الأعداد الهائلة من النازحين في ظل البرد القارس.
ويشهد طريق “سرمدا” من ريف حلب الغربي والجنوبي الغربي ازدحاماً شديداً بسبب تدفق النازحين، في ظل الأحوال الجوية السيئة وانخفاض درجات الحرارة إلى نحو الصفر.
وللشهر الثالث على التوالي تواصل ميليشيات النظام السوري المدعومة بغطاء جوي روسي هجومها على آخر معاقل المعارضة في إدلب، واضعة أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون من المدنيين السوريين في مرمى أخطار متعددة؛ الموت قصفاً أو حرقاً ببراميل المتفجرات، أو الهرب نحو الجبال والموت بسبب الطقس البارد.
ونشرت صحيفة "ذا تايمز" البريطانية تقريراً بعنوان: “الموت واليأس يواجه السوريين المحاصرين بين جيش النظام السوري وقوات المعارضة والطقس”، ألقى الضوء على أحدث حلقات مأساة السوريين المستمرة منذ تسع سنوات.
ما يحدث في إدلب لم يكن مفاجأة
لا يستطيع أحدٌ القول إنه لم يتوقَّع حدوث هذا، فقد كان جلياً منذ سقوط حلب في يد النظام السوري منذ ثلاث سنوات أن الرئيس السوري بشار الأسد سيحاول استعادة بقية شمال غربي سوريا.
كانت منظمات الإغاثة تحذِّر سكان المنطقة، البالغ عددهم ثلاثة ملايين ونصف المليون شخص، محاصرين بين جيشٍ ينوي الانتقام وقوات جهادية مصممة على الدفاع عن المنطقة والصمود للنهاية، بأن هذه المعضلة ستعصرهم.
وحالياً، يعيش هؤلاء الناس متشبثين بجوانب التلال المغطاة بالثلج في منطقة قاحلة، لأن الأشجار التي ربما كانت ستوفر لهم حماية من البرد والرياح استخدموها كوقود. ويعيش آخرون في مخيمات محاطة بالوحل على كميات ضئيلة من الطعام لهم ولأطفالهم، دون توافر الدواء اللازم لتضميد جراحهم.
توفي المزيد من الأشخاص جراء القصف الروسي، الجمعة 14 فبراير/شباط. وحتى هؤلاء، الذين يعتقدون أنهم بمأمن عن القصف، معرضون لمخاطر ظروف المعيشة مثل ستيف حمادة وعائلته.
احتمت هذه العائلة في خيمتها من درجة الحرارة التي وصلت إلى مستوى تحت الصفر في شمالي سوريا، جالبةً مزيداً من البؤس إلى سكانها النازحين.
جلب حمادة (53 عاماً) الموقد من الخارج ليضعه داخل الخيمة، وهو خطأ مميت نظراً لنقص مصادر التهوية في الخيمة. وقال أخوه نزار: “تمكَّنا من الحصول على خيمتين، لكن لا توجد بهما أي فتحات للمداخن”، وتابع: “في الصباح وجدناهم جميعاً متوفين. اعتاد ستيف أن يستيقظ مبكراً، وكان يستيقظ دوماً مع بزوغ الفجر. شعر ابنه رواد بالقلق عندما لم ير والده في الخارج مع مطلع الصباح، ذهب إلى الخيمة ووجدهم جميعاً متوفين”.
تُظهر صورةٌ انتشرت على نطاقٍ واسع للسوريين المتوفين مشهداً هادئاً، إذ يظهر حمادة مستلقياً ووجهه لأعلى وعيناه مغلقتان، قد يظن البعض أنه نائم، لكن وجنتيه شاحبتان في ضوء الصباح. تجمَّعت ابنته هدى، 12 عاماً، وحفيدته وهاد، 4 أعوام، تحت بطانيته، ولا تظهر زوجته أمون، 40 عاماً، في الصورة.
ميليشيات الأسد تواصل التقدم
تحدَّت قوات الأسد، بدعم من الميليشيات المدربة على يد إيران، تهديد أردوغان، إذ واصلت التقدم الجمعة لمسافة 10 أميال عند معبر باب الهوى الحدودي الرئيسي بين سوريا وتركيا، واستعادت القاعدة 46، وهي معسكر استراتيجي في المنطقة الريفية غربي حلب، التي خسرها النظام السوري لصالح قوات المعارضة في 2012.
وستكون الأتارب على الأرجح هي المدينة التالية التي ستسقط على يد النظام السوري، وهي إحدى المدن الثلاث الواقعة جنوب غربي حلب، والتي كانت مراكز لمقاومة المجتمع المدني غير الجهادي. واستعاد النظام السوري المدينتين الأخريين، وهما سراقب ومعرة النعمان، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية.
وكانت نتيجة هذا هي حدوث حالة من الهرج والمرج في الطرقات، مع تدفق السيارات والشاحنات المليئة بالمدنيين الفارّين عبر الطرق المزدحمة صوب المخيمات غربي البلاد، وسط تعرضهم للقصف من وقت لآخر، على يد النظام الذي يواصل خطته لإرهاب المناطق الداعمة لقوات المعارضة وإجبارها على الاستسلام.
كارثة إنسانية في إدلب
قال وليد عبين، الذي فرَّ من مدينة الأتارب خلال هذا الأسبوع: “لقد بدا الأمر وكأنه يوم القيامة. كان الأطفال في الشاحنات يرتعدون من البرد، وشعر الجميع بالرعب عندما كان المراقبون يعلنون عن اقتراب الطائرات الحربية منهم”، وتابع: “طاردنا الرعب بينما كنا نفر، كان الموقف فوضوياً، لم تتمكن حتى فرق الدفاع المدني من التحرك في المدينة؛ إذ كانت الطرق مختنقة من الزحام”.
بدأت حملات النزوح الجماعي في الليلة السابقة عندما بدأت براميل المتفجرات تنهمر من مروحيات الأسد. وقال عبين إن رجلاً وابنه قد قُتلا بينما كانا يحاولان الهروب من القصف في الظلام. وتابع: “حتى إجلاء الجرحى من أماكنهم كان مهمة انتحارية”. استمرت قذائف المدفعية مع بزوغ الفجر، بينما كان يقصد الطريق للفرار من المدينة.
من الصعب استيعاب كيف تسببت هذه الحرب في هذا العدد الهائل من النازحين واللاجئين: في مارس/آذار 2013، أي بعد عامين من بدء الانتفاضة السورية بلغ عدد اللاجئين السوريين مليون شخص. دفعت معركة السيطرة على مدينة إدلب وحدها هذا العدد الكبير من الأشخاص للفرار من بيوتهم في غضون أشهر قليلة. وفي ظل غلق تركيا للحدود الوحيدة التي يمكنهم الهرب عبرها، لم يعد لديهم مكان آخر يقصدونه. وإجمالاً، أُجبر 5.6 مليون سوري على الفرار من البلاد -أكثر من 800 ألف شخص منذ بداية ديسمبر/كانون الأول، و140 ألف شخص خلال ثلاثة أيام في الأسبوع الجاري، بينهم النازحون من مدينة الأتارب. ويقدر عدد الأطفال بينهم بحوالي 60%.
جثث متجمدة
في الوقت نفسه، يعيش حوالي 82 ألف شخص وسط حدائق الزيتون المجاورة، في ظل موجة البرد القارس هذا الأسبوع. يعثر عمال الإغاثة بشكل منتظم على جثث متجمدة في الثلج، وقال ميستي بازول، مدير سياسات بلجنة الإنقاذ الدولية: “في كل مرة تعتقد أن هذه الكارثة لا يمكن أن تتدهور إلى وضع أسوأ من هذا يحدث العكس. يعيش عشرات الآلاف من الأشخاص في العراء أو في مبان غير مكتملة البناء. الأوضاع موحشة”.
أُجبر العديد من هؤلاء الضحايا على الخروج من قراهم إلى البلدات المجاورة، ليهربوا مرة أخرى إلى الحدائق. ولا يعلم أحد أين يذهبون لاحقاً.
يفكر أحمد أبوعلي، وهو أب لأربعة أطفال بين الثانية والـ11 من العمر، في دفع أموال لتهريبه عبر الحدود، لكن العديد من اللاجئين الذين حاولوا هذا قُتلوا رمياً بالرصاص. باتت إدلب تجمع بين كونها منطقة حرب وسجن، وقال أبوعلي: “أشعر بالحزن من أجل الأطفال الذين خسروا العديد من الأشياء الجميلة في حياتهم، أهمها طفولتهم”. تمزقه الحيرة بين الخوف من عبور الحدود والخوف من البقاء في مكانه، إذ تابع: “لا أدري ما الذي قد يحدث لاحقاً".
المصدر: بي بي سي + عربي بوست