بينما كانت الحركة توحي بترقّب وصول ضيف كبير جدا إلى مطار بغداد الدولي في وقت متأخر من الليل، كانت هناك جهة ثانية تتهيأ لاستقباله بحرارة بالغة ولكن على طريقتها الخاصة.
في ساعات الصباح الأولى، كشفت مصادر في الحشد الشعبي أن بعض قادته تنقلوا للمطار لاستقبال "ضيوف مهمين" ولم تذكر هويتهم في البداية ولا من أين قدموا.
ولكن في مثل هذه الظروف المشتعلة، عادة ما يصل إلى بغداد على عجل شخص مهم من دولة مجاورة، ويجري استقباله وتأمينه دون أن تلتقطه كاميرات وسائل الإعلام.
بعد وصول الضيوف المهمين استقل الجميع مركبتين متجهين إلى المدينة، وحينها انهمرت القذائف والصواريخ وحدث ما لم يكن في الحسبان.
وذكرت خلية الإعلام الأمني التي يديرها الجيش العراقي أن ثلاثة صواريخ كاتيوشا سقطت على مطار بغداد الدولي.
وأضافت أن الصواريخ سقطت قرب صالة الشحن الجوي، مما أدى إلى احتراق مركبتين وإصابة عدد من المواطنين.
وفي وقت سابق، أوضح مدير مكتب الجزيرة في بغداد أن الأنباء أفادت بأن ضربة جوية استهدفت السيارتين اللتين كانتا تقلان أعضاء بالحشد الشعبي "وزائريْن بعيد خروجهما من المطار".
القاتل والقتيل
وفي تعليق سريع على العملية، ذكر مصدران بالحشد أن الضيفين قتلا في الهجوم لكنهما أحجما عن تحديد هويتهما.
وسرعان ما اتضحت هوية القتلى وكذلك هوية القاتل، فقد نفذ الجيش الأميركي غارة جوية في محيط مطار بغداد الدولي وقتل فيها مواطنون وشخصيات أخرى مهمة.
أهم هذه الشخصيات كان قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني الذي يمسك بملفات مهمة في سوريا والعراق ومناطق أخرى.
وقتل أيضا في الغارة نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الذي كانت الولايات المتحدة تدرجه على قائمتها السوداء.
ونقلت نيويورك تايمز عن مصادر في الحرس الثوري الإيراني أن سليماني وصل بغداد في طائرة قادما من سوريا.
وعلى الفور، تبنت الولايات المتحدة الغارات، وأعلن البنتاغون أن الرئيس دونالد ترامب أمر بتصفية الجنرال سليماني "الذي كان في طريقه لرسم خطة لقتل جنود أميركيين".
وجاء في بيان البنتاغون "بتوجيه من الرئيس، نفذ الجيش الأميركي عملا دفاعيا حاسما لحماية الأميركيين في الخارج بقتل قاسم سليماني".
وقال البيان إن سليماني كان "يطور بنشاط خططا للهجوم على الدبلوماسيين الأميركيين وأفراد الخدمة بالعراق وفي جميع أنحاء المنطقة".
وأضاف "الجنرال سليماني صدق أيضا على الهجمات على السفارة الأميركية في بغداد التي وقعت هذا الأسبوع".
وتحمّل الولايات المتحدة أيضا سليماني وقوات فيلق القدس المسؤولية عن مقتل المئات من أفراد القوات الأميركية وقوات التحالف، وقالت إنه "دبر" هجوما صاروخيا في 27 ديسمبر/كانون الأول الماضي والذي تسبب في مقتل أميركي.
وبالنسبة إلى فيليب سميث الخبير الأميركي بالجماعات المسلحة الشيعية، فإن اغتيال سليماني "أكبر عملية تصفية على الإطلاق تنفّذها الولايات المتحدة، هي أكبر من تلك التي قتلت فيها أبو بكر البغدادي أو أسامة بن لادن".
إجراء استباقي
وكان وزير الدفاع الأميركي مارك أسبر أعلن الخميس أنه يتوقع أن تقوم الفصائل الموالية لإيران في العراق بشن هجمات جديدة على القوات الأميركية.
وقال أسبر "إننا نشهد استفزازات منذ أشهر. هل أعتقد أنهم يمكن أن يقدموا على فعل شيء؟ الجواب: نعم. وسيندمون على ذلك على الأرجح. نحن جاهزون للدفاع عن أنفسنا".
وتابع أنه إذا علمت واشنطن بهجمات جديدة قيد التحضير "فسنتخذ إجراءات وقائية لحماية القوات الأميركية ولحماية أرواح أميركية".
على الطرف الآخر، أعلنت إيران الحداد ثلاثة أيام على مقتل الجنرال، وتوعد مرشدها الأعلى آية الله علي خامنئي بانتقام يطال "المجرمين الذين لطخت أيديهم بدمائه ودماء الشهداء الآخرين".
وقال وزير الخارجية محمد جواد ظريف إن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية جميع عواقب "مغامرتها المارقة".
أما رئيس مصلحة تشخيص النظام محسن رضائي فتوعد الولايات المتّحدة بـ "الانتقام" لمقتل قائد فيلق القدس.
وقال في تغريدة على تويتر "سليماني انضمّ إلى إخوانه الشهداء لكنّنا سننتقم له من أميركا شرّ انتقام".
المصدر : الجزيرة + وكالات