واصل المتظاهرون في لبنان السبت النزول إلى الشوارع وقطع الطرقات للمطالبة برحيل الطبقة السياسية لليوم العاشر على التوالي، في تحدٍّ للسياسيين والأحزاب ومناصريهم، غداة خطاب للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله حذر فيه من "الفوضى" و"الانهيار" في حال فراغ السلطة.
وشهد السبت محاولات من القوى الأمنية لإعادة فتح طرقات مقطوعة في مناطق مختلفة من البلاد، فيما تظاهر مئات المناصرين للتيار الوطني الحر، الذي أسسه رئيس الجمهورية ميشال عون ويرأسه صهره وزير الداخلية جبران باسيل، للإعراب عن تأييدهم لمواقف الرئيس.
وتكتظ الشوارع والساحات في بيروت ومناطق أخرى من الشمال إلى الجنوب منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر، بحراك شعبي غير مسبوق وعابر للطوائف على خلفية مطالب معيشية وإحباط من فساد السياسيين.
ولم يوفر المتظاهرون أي سياسي من الانتقادات، ومن بينهم رئيس الجمهورية والأمين العام لحزب الله، وهم يحملون على كافة الطبقة السياسية عجزها على إخراج البلاد من مأزق اقتصادي وعلى توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1990.
وأعرب نصرالله في خطابه الجمعة رفضه "استقالة الحكومة" وإجراء انتخابات نيابية مبكرة. واعتبر أن الفراغ "في ظل الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب والمأزوم وفي ظل "التوترات السياسية في البلد والإقليم" أمر "شديد الخطورة" وقد يؤدي إلى "الفوضى والانهيار".
ومحاولاً الدفع إلى فضّ الحراك الشعبي، دعا نصرالله مناصريه إلى مغادرة الشارع وذلك بعدما وقعت اشتباكات بينهم وبين متظاهرين في بيروت الجمعة.
وبالإضافة إلى رفض المشاركين في الحراك الشعبي خطاب نصرالله، انقسم كذلك مناصروه إزاء هذا الخطاب، وواصل بعضهم التظاهر صباح السبت.
ومن ساحة رياض الصلح وسط بيروت السبت، يقول حسن قطيش (27 عاماً) القادم من ضاحية بيروت الجنوبية معقل حزب الله إن لديه تحفظات على خطاب نصرالله رغم أنه يتفق مع بعض نقاط هذا الخطاب "الممتاز".
ويوضح الشاب المناصر لحزب الله "نحن لسنا ضد حديثه، لكن هناك اختلاف في وجهات النظر"، مضيفاً أن ما يختلف معه فيه خصوصاً "هو اعتقاده أن لا بديل للحكومة والبرلمان الحاليين إذا سقطا، هذا غير صحيح، لدينا بدائل، لدينا أشخاص شرفاء وغير فاسدين" قادرين على أن يحكموا.
-ضغط لفتح الطرقات-
في هذه الأثناء، بقيت الطرقات مغلقة في بعض المناطق اللبنانية، فيما حاول الجيش وقوى الأمن فتح بعض الطرقات الرئيسية.
وتتواصل التظاهرات المناهضة للحكومة كذلك في منطقتي الذوق وجل الديب شمال بيروت، كما في وسط مدينة بيروت وفي مدينة النبطية جنوباً وطرابلس شمالاً.
ووقع تلاسن بين متظاهرين ومواطنين حاولوا العبور بسياراتهم في منطقة تقاطع الشيفروليه في فرن الشباك الواقعة على مشارف ضاحية بيروت الجنوبية.
وقطع متظاهرون منذ الصباح الباكر جسر فؤاد شهاب (الرينغ) الذي يصل غرب بيروت بشرقها، لكن القوى الأمنية تمكنت من فتح الطريق بعد الظهر.
لكن عاود عشرات المتظاهرين في وقت لاحق الانتشار في محيط الجسر، مصرين على مواصلة التظاهر السلمي، ومرددين شعار "سلمية، سلمية". ولم تفلح محاولات القوى الأمنية في إزاحتهم عن الطرقات عبر حملهم.
من جهة ثانية، قال متظاهرون في جلّ الديب للقنوات المحلية إن شرطة البلدية فرضت عليهم جزاءات مالية بسبب ركن سياراتهم في الطريق حيث يحتجون "بإيعاز من وزارة الداخلية".
لكن المكتب الإعلامي لوزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن نفى ذلك في بيان.
وفي غضون ذلك، أعلنت قيادة الجيش اللبناني في بيان عن عقد اجتماع في مقرها ضم "قائد الجيش العماد جوزف عون" والمدير العام للأمن العام والمدير العام لقوى الأمن الداخلي والمدير العام لامن الدولة، "لمناقشة الأوضاع الراهنة في البلاد في ضوء استمرار التظاهرات وقطع الطرقات"، وفق البيان.
-تظاهرات مضادة-
وأكد متظاهرون باتوا ليلتهم في الخيم في ساحة الشهداء وسط العاصمة أنهم سيواصلون التحدي في اليوم العاشر من التظاهر رغم الضغط.
وشدد ربيع أحمد الزين (34 عاماً) على البقاء في الشارع، وهو متحدّر من مدينة صور ذات الغالبية الشيعية والتي شهدت أيضاً تظاهرات غير مسبوقة خلال الأسبوع الماضي.
وقال لوكالة فرانس برس في وسط بيروت إن "سلطة الشعب أقوى من سلطة الأحزاب"، ومؤكداً أن تحركات مناصري حزب الله لن تثنيهم عن الاستمرار في التظاهر.
ونفذ في الأيام الأخيرة مؤيدون لحزب الله وللتيار الوطني الحرّ تظاهرات مضادة في مناطق مختلفة من البلاد، تسببت بمناوشات مع الصحافيين والمتظاهرين المناهضين للسلطة.
وتظاهر المئات من مناصري حزب الله ملوحين بأعلام الحزب عبر التجمع في ضاحية بيروت الجنوبية ومدينتي النبطية وصور جنوباً بعد خطاب نصرالله الجمعة، وكذلك في وسط بيروت حيث اشتبكوا مع المتظاهرين المناهضين للسلطة، ما دفع شرطة مكافحة الشغب للتدخل للفضّ بين المعسكرين.
والسبت، قام مؤيدون للتيار الوطني الحر بالتظاهر في بلدة القاع في شرق لبنان، وفق ما أفادت الوكالة الوطنية الرسمية.
ونفذ مؤيدون للتيار أيضاً تجمعاً أمام قصر العدل في الجديدة وهي ضاحية من ضواحي بيروت الشمالية، معربين عن الرفض المطلق لقطع الطرقات، كما دافعوا عن موقف رئيس الجمهورية وعن جبران باسيل.
وكان الرئيس اللبناني ميشال عون قد دعا المتظاهرين المناهضين للسلطة السياسية في خطاب الخميس إلى اختيار ممثلين عنهم ليلتقي معهم في "حوار بناء". لكن خطابه لم يلق آذاناً صاغية في الشارع. وأشاد نصرالله الجمعة بدعوة عون.
وقبل ذلك، أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري خطة إصلاح "جذرية" تضمنت خفضاً بنسبة النصف لرواتب المسؤولين، وتقديمات ووعود بإصدار قانون لاستعادة الأموال المنهوبة، وغيرها، رفضها الشارع أيضا.
ويعيش أكثر من ربع السكان في لبنان عند خط الفقر وفق البنك الدولي في ظلّ تدهور للوضع الاقتصادي.
وشهدت البلاد حرباً أهلية (1990-1975)، لا زال العديد من قادتها في السلطة اليوم في البلاد.
المصدر: فرانس برس