يفتتح قادة دول مجموعة العشرين، اليوم الجمعة 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، قمة تستمر يومين في الأرجنتين التي تشهد أزمة اقتصادية، تخيّم عليها توترات جديدة بشأن أوكرانيا وتزايد الانقسامات بسبب سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن التجارة والتغير المناخي ومقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
وأعلن ترامب، الخميس، إلغاء لقاء كان مقرّراً مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين على هامش القمة على خلفية التوتر المتجدد بين روسيا وأوكرانيا.
وقبيل انطلاق أعمال القمة، سيبدأ شعار ترامب «أميركا أولاً» في جني ثماره مع التوقيع على النسخة المعدلة من اتفاقية التجارة الحرة في أميركا الشمالية (نافتا). وتبدو الاتفاقية المعدلة التي أطلق عليها اسم اتفاقية الولايات المتحدة – المكسيك – كندا (أوسمكا) إلى حد كبير شبيهة بالاتفاقية السابقة.
لكن تم إدخال تعديلات عليها تسمح لترامب بإعلان النصر باسم العمال الأميركيين الذين يقول إن «نافتا» خدعتهم.
ولكن قد لا تكون الاتفاقية الجديدة الحدث الكبير. فالتوقيع عليها سيكون من جانب المفاوضين التجاريين الكبار من الدول الثلاث وليس من جانب الرؤساء المشاركين في قمة العشرين. وبعد فرض رسوم عقابية على سلع صينية والتهديد بفرض المزيد في يناير/كانون الثاني، يصوب ترامب أيضاً على الصين فيما يستعد للاجتماع برئيسها شي جينبينغ على هامش قمة مجموعة العشرين.
وبعد التوقيع على اتفاقية «أوسمكا» وافتتاح الرئيس الأرجنتيني ماوريتسيو ماكري اليوم الأول من القمة، يتوقع أن تخرج تظاهرة حاشدة في وسط بوينوس آيرس بعد ظهر الجمعة. وترزح الأرجنتين تحت وطأة تضخم وبطالة بسبب أزمة اقتصادية حصلت في أعقابها من صندوق النقد الدولي على خطة إنقاذ لا تحظى بتأييد شعبي.
وقال الحلاق آريل فييغاس (47 عاماً) خلال تظاهرة أمام مبنى الكونغرس الأرجنتيني: «هناك الكثيرون الذين ليس لديهم بيوت أو عمل. إنهم (قادة مجموعة العشرين) لا يركّزون على الناس الذين لديهم احتياجات». وتوعدت الحكومة بعدم التساهل مع أعمال العنف خلال استضافتها أكبر تجمع دولي، وتقول إنها حصلت على وعود من منظمي التظاهرات بالحفاظ على الهدوء في الشارع.
الصين تحضّ على تنازلات
وسيتخلل قمة مجموعة العشرين عدد من المبادرات الدبلوماسية واللقاءات الثنائية بين القادة. وتجري الولايات المتحدة محادثات مع شي جنيببنغ، السبت، لمزيد من الضغط على الصين. وفرض ترامب رسوماً على ما قيمته 250 مليار دولار من السلع الصينية المستوردة.
وقالت صحيفة «تشاينا ديلي» الحكومية، الجمعة، إن الجانبين يمكن أن يتوصلا إلى اتفاق في بوينوس آيرس، لكنها حذرت الولايات المتحدة من مغبَّة زيادة الضغط بشأن التكنولوجيا، وسط اتهامات أميركية لبكين بسرقة الملكية الفكرية. وكتبت الصحيفة في مقالة افتتاحية: «في حال بروز أهداف أخرى، مثل استغلال النزاع التجاري لخنق النمو الصيني، لن يتم على الأرجح التوصل إلى اتفاقية».
وأضافت: «لكن اتفاقية جدية تعني أن يغادر الجانبان مسرورين. على الولايات المتحدة أن تتخلى في عطلة الأسبوع عن مقاربتها المعتادة للعلاقات الدولية والقائلة بأن الفائز يأخذ كل شيء».
وستكون المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من بين القادة الذين سيلتقون ترامب الجمعة. لكنها لن تحضر الافتتاح بعد أن أجبرت طائرتها على القيام بهبوط اضطراري في كولونيا بسبب مشكلة فنية. وقد أقلعت طائرة تابعة لشركة الطيران الإسبانية «ايبيريا» تقل ميركل من مدريد التي قصدتها من كولونيا، الجمعة، متوجهة إلى بوينوس آيرس.
توتر بشأن أوكرانيا
وألغى ترامب، الخميس، لقاءه المقرّر مع نظيره الروسي بسبب توقيف خفر السواحل الروس سفناً وبحارة أوكرانيين. وكتب ترامب على حسابه على «تويتر»: «استناداً إلى واقع أنّ السفن والبحارة لم يعودوا إلى أوكرانيا من روسيا، فقد قرّرت أنّه سيكون من الأفضل لكل الأطراف المعنية أن ألغي اجتماعي الذي كان مقرّراً سابقاً في الأرجنتين مع الرئيس فلاديمير بوتين». وأضاف: «أنا أتطلّع لقمّة مفيدة مجدداً حين يتمّ حلّ هذا الوضع!».
وأسف الكرملين لقرار ترامب، وقال الناطق باسمه: «هذا يعني أن المحادثات حول قضايا دولية وثنائية خطيرة ستؤجل إلى ما لا نهاية»، مؤكداً أن الرئيس الروسي لا يزال «مستعداً لإجراء اتصالات مع نظيره الأميركي».
خلاف حول المناخ
وتشكل قضايا الالتزام للتخفيف من تداعيات التغير المناخي نقطة خلاف أخرى. وانتقد ماكرون، الخميس، الذين يرغبون في مواجهة التحديات الاقتصادية بـ «خطابات نارية والانعزال وإغلاق الحدود».
وحذر من أن فرنسا قد ترفض المُضي قدماً في اتفاق تجارة مع مجموعة «مركورسور» الأميركية الجنوبية في حال انسحب الرئيس البرازيلي اليميني المتطرف جاير بولسونارو من اتفاق باريس للمناخ. وأعلن ترامب قبل أشهر انسحاب بلاده من اتفاق باريس للمناخ.
وذكرت مصادر في مجموعة العشرين أن التغير المناخي يكاد يصبح أكبر عقبة أمام اتفاق حول صدور بيان مشترك في بوينوس آيرس عندما تختتم القمة السبت.
مقتل خاشقجي حاضر أيضاً في القمة
وتلقي قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي بمقر قنصلية بلاده في إسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول بظلالها أيضاً على المؤتمر الدولي. ويتزامن الظهور الدولي الأول لولي العهد السعودي بعد مقتل خاشقجي مع تصاعد الانتقادات العالمية ضده، في مقدمتها تحريك القضاء الأرجنتيني قضية رفعتها منظمة «هيومن رايتس ووتش» ضد ولي العهد بسبب مزاعم وقوفه وراء ارتكاب «جرائم حرب» في اليمن، و «تعذيب وإساءة معاملة سعوديين» بينهم الصحافي جمال خاشقجي.
وطالبت المنظمة السلطات الأرجنتينية بملاحقة الأمير السعودي استناداً إلى بند الولاية القضائية الدولية في القانون الأرجنتيني. ووفق جداول الأعمال المعلنة لقادة الدول المشاركة في قمة العشرين، أكد 5 قادة فقط، بينهم رئيس الأرجنتين (الدولة المستضيفة للقمة)، لقاءهم بولي عهد السعودية.
وفيما كان الرئيس الفرنسي أول رئيس أوروبي يعلن أنه سيلتقي محمد بن سلمان، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أول مَن أكد في المطلق، عقد لقاء مع الأمير السعودي، وذلك عبر بيان لمستشاره يوي أوشاكوف، الأربعاء.
ومن القادة المشاركين في «G20» وسيلتقون محمد بن سلمان، رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، ورئيس وزراء الهند ناريندا مودي، الذي اجتمع معه بالفعل. من جهتها، قالت «ماي» فور وصولها إلى الأرجنتين، إنها ستعقد مباحثات مع محمد بن سلمان لتأكيد موقف بريطانيا من قضية خاشقجي وحرب اليمن.
وأضافت في تصريحات نقلتها صحيفة «إندبندنت» البريطانية أنّ لندن «تريد أن ترى تحقيقاً كاملاً وشفافاً فيما يتعلق بما حدث (لخاشقجي) ومحاسبة المسؤولين عن ذلك».
ويلتقى هؤلاء القادة مع محمد بن سلمان، في الوقت الذي حذر فيه كينيث روث، المدير التنفيذي لـ «هيومن رايتس ووتش»، الأربعاء، زعماء العالم من الظهور بجانب ولي العهد السعودي، خلال قمة العشرين، على خلفية ما اعتبره بدء تحقيق رسمي في الأرجنتين حول التورط المحتمل لمحمد بن سلمان في جرائم دولية خطيرة.
وقال روث: «من الأفضل لقادة العالم أن يفكروا مرتين قبل أن يتقدموا للحصول على صور (خلال اجتماعات قمة العشرين) بجانب شخص قد يخضع للتحقيق في جرائم حرب وتعذيب». وعلى صعيد آخر، ينظر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في طلب محمد بن سلمان بعقد لقاء بينهما.
أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب فأعلن أنّه لن يلتقي ولي عهد السعودية «لعدم الإعداد للقاء» وليس لعدم رغبته في ذلك.