أثار مشروع فيلم مصري، بعنوان "سري للغاية"، يتناول المشهد منذ ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، ويجسد شخصيات الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، والأسبق محمد مرسي، جدلا في البلاد.
واعتبر نقاد مصريون أن الفيلم الروائي الطويل، الذي يتم تصويره حاليا، ربما يعد دعاية للنظام الحالي، وهو ما ينفيه أحد أبطاله، مؤكداً أنه "تأريخ حيادي" للوضع السياسي.
ويأتي "سري للغاية" بعد أقل 4 سنوات من حكم السيسي للبلاد، وفي ظل إعلانه الترشح لولاية ثانية، بالانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها مارس/ آذار القادم.
وتسربت بعض الصور من كواليس الفيلم، أوضحت أن الممثل أحمد السقا يؤدي دور السيسي، فيما يؤدي أحمد رزق دور محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديموقراطيا (يونيو/ حزيران 2012 - يونيو/ حزيران 2013).
إلا أن تجسيد السقا للسيسي، عرّضه لانتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي اتهمته بعضها بالتأييد الصريح للنظام الحالي.
وهو ما دفع السقا للرد، في تدوينة له على صفحته الرسمية بفيسبوك، 16 يناير/ كانون الثاني الماضي.
وأكد السقا لمتابعيه أن "الفيلم ما هو إلا تأريخ للحقبة الزمنية منذ ثورة 25 يناير/ كانون الأول 2011، حتى أحداث 3 يوليو/ حزيران 2013، أي قبل أن يصير السيسي رئيسا للبلاد".
وعزل الجيش، حينما كان السيسي وزيراً للدفاع، مرسي من الرئاسة، عقب احتجاجات شعبية، وهو ما يصفه معارضو الخطوة "انقلاباً"، بينما يراها المؤيدون "ثورة".
ورأى السقا أن "المنتقدين تسرعوا في الحكم على فيلم مهذب أنصف الجميع، بمن فيهم مرسي، وأرّخ للحقبة الزمنية بحيادية وموضوعية ولا يقلل من أي طرف بعينه".
إلا أنه أضاف بعد ذلك، في تصريحات متلفزة، أنه "لا مانع من تكريم شخص أنقذ البلاد (في إشارة إلى السيسي)".
وأكد السقا، في التصريحات ذاتها، أنه "يصر على المضي قدما في تنفيذ الفيلم، وأن العمل يعيد رصد قصة أطراف دولية حاولت تقسيم مصر، لكنها لم تستطع".
الناقد المصري، أمير العمري، قال، في حديث للأناضول، إن "فيلم سري للغاية يعد حدثًا غير مسبوق في تاريخ السينما المصرية والعالمية؛ لأنه يجسد شخصيات سياسية حقيقية لاتزال على قيد الحياة، بل وكثير منهم في مواقع سلطة، وهو مالم تشهده السينما من قبل"، حسب قوله.
وأضاف العمري أن "الفيلم يعد دعاية للنظام الحالي خاصة وأن الأحداث التي يتناولها مازالت حديثة العهد وتحتاج لفترة طويلة لدراسة تداعياتها".
في السياق ذاته، قال الناقد طارق الشناوي، في تصريحات متلفزة، إن "المرحلة الزمنية التي يدور حولها الفيلم، لاتزال تتشكل ولم تنته بعد، مما قد يرجّح ألا يمر الفيلم عبر القطاع الخاص دون أن يخضع للرقابة الأمنية وتساهم فيه أجهزة الدولة".
و"سري للغاية"، الذي أعلن السقا أنه يتم تصويره منذ فترة طويلة وقارب على الانتهاء، تأليف الكاتب وحيد حامد.
ولحامد عدة أفلام مثيرة للجدل، تحمل طابعاً سياسياً، منها "البريء" الذي تم إنتاجه في 1986، ومنعته الرقابة لنحو 20 عاما، بعد اعتراض وزارتي الدفاع والداخلية وقتها على عرضه، بدعوى أنه "يفشي أسراراً عسكرية".
ولم يتم عرض "البريء" إلا عندما سمح وزير الثقافة فاروق حسني، في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، بعرضه لأول مرة، وبدون حذف في مهرجان السينما القومي 2005، وعدّته الثقافة وقتها انتصارا لحرية الرأي والتعبير.
ومن أبرز الأعمال، التي قدمها وحيد حامد في سياق الرصد التاريخي مسلسل "الجماعة" في 2010 ويرصد تفاصيل تنظيم جماعة الإخوان الذي تأسس عام ????، وقدم الجزء الثاني من العمل العام الماضي.
ورفضت "الجماعة" في أكثر من تعليق المسلسل، معتبرة أنه "منحاز ضدها ويشوهها" لصالح النظام وهو ما كان ينفيه حامد.
ولم تشهد مصر أعمالا فنية تجسّد الوضع السياسي وتحاكي ثورة يناير منذ 2011، باستثناء فيلم بعنوان "18 يوماً" اقتصر عرضه على شبكة الإنترنت العام الماضي بعد منعه بدور السينما لنحو 6 سنوات.
ووفق نقاد مصريين، شهدت البلاد عقب ثورة 23 يوليو/ تموز 1952، صناعة أفلام محاكية للمشهد وقتها.
ولعل أنجح تلك الأفلام سلسلة الأعمال الكوميدية التي قدمها الممثل إسماعيل ياسين (1912 – 1972)، وبلغت 13 فيلما عن الجيش المصري والشرطة وحظيت بنجاح كبير.
وحقق ياسين وقتها رقما قياسيا كأكثر الممثلين مشاركة في الأفلام في تاريخ السينما المصرية، إلا أن منتجي الأفلام انصرفوا عنه بعد وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ما أدى إلى وفاة ياسين بعد ذلك مفلسا.
ووصف الناقد طارق الشناوي، ياسين، في تصريحات صحفية، أن "أدواره الساخرة عن الجيش المصري التي قدمها ببراعة عقب ثورة 1952، حققت بالفعل هدفها المنشود وقتها، وهو زيادة التطوع في الجيش المصري".
وتعد مصر من أغزر دول الشرق الأوسط في الإنتاج السينمائي، الذي يصل إلى عشرات الأفلام سنوياً، كما أنها أول بلد عربي ينتج فيلما روائيا طويلا، قبل نحو مائة عام، وفق مؤرخين مصريين.