على غير المتوقع، خرج العسكري المصري المتقاعد، أحمد شفيق، بخطابين حول اعتزامه الترشح لرئاسيات 2018 بمصر، أحدهما بثته قناة "الجزيرة" القطرية، رغم تواجده بالإمارات، إحدى الدول المقاطعة للدوحة، وهي تفاصيل عدّها خبراء "زلزال سياسي" ربما يغير المشهد المصري خلال أشهر.
ولم تسْلم تصريحات شفيق عن منعه من مغادرة أبو ظبي، وبيانه المتلفز حول اعتزامه الترشح للرئاسة، من اتهامات ثقيلة وغزيرة تبلغ حد التخوين من إعلاميين مؤيدين للنظام الحاكم، في ظل موقف رباعي عربي، يضم مصر والسعودية والإمارات والبحرين، يقاطع قطر، منذ 5 يونيو/ حزيران الماضي، بدعوى دعمها للإرهاب، وهو ما تنفيه الأخيرة بشدة.
وعبر صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، نفت دينا عدلي حسين، محامية شفيق، أن يكون الأخير منح "الجزيرة" فيديو حصرياً قائلة: "الفيديو الحقيقى تم تصويره بمعرفة نجلة الفريق شفيق، في صالون المنزل، ووضعت الجزيرة اللوجو الخاص بها عليه".
ووفق خبراء، تحدثت إليهم الأناضول، فإن الهجوم الإعلامي المتصاعد على شفيق، في ظل صمت مصري رسمي، يعود لكون شفيق رجل دولة سابق وعسكري سابق، ويملك رصيداً شعبياً ومنافساً حقيقياً للرئيس عبد الفتاح السيسي حال ترشحه.
ويرون أن شفيق اختار توقيتاً يعيش فيه النظام المصري أضعف لحظاته، لعدم تحقيق وعوده بالاستقرار الأمني في سيناء (شمال شرق)، وأعلن نيته الترشح بطريقة تفيد بأنه منافس، وليس تابعاً لأحد.
** لغة تحدٍ جديدة
شفيق، المتواجد في الإمارات منذ 2012، أعلن أمس اعتزامه الترشح في انتخابات الرئاسة المصرية، قبل أن تبث "الجزيرة" القطرية فيديو، قالت إنه حصري، يتحدث فيه عن منعه من السفر.
وهو ما تبعه نفي من الإمارات لصحة المنع، على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، عبر حسابه الرسمي بموقع "تويتر".
والإمارات هي أبرز حليف وداعم لنظام السيسي، ورحبت بإطاحة قادة الجيش، حين كان الأخير وزيرًا للدفاع، بنظام محمد مرسي، أول رئيس مدني مصري منتخب ديمقراطيًا، في 3 يوليو/ تموز 2013، بعد عام واحد من فترته الرئاسية.
وجاء الإعلان عن ترشح شفيق ومنعه من السفر بلغة تحمل تحدياً بقوله: "أتعهد لأبناء وطني بأن لا أتراجع إطلاقًا متقبلًا أية متاعب أو مصاعب".
ومال شفيق إلى استخدام كلمات تحمل النظام الحاكم مسؤولية ما تعانيه مصر من مشكلات، رغم أنها ليست فقيرة، وتمتلك ثروة بشرية هائلة، كما قال.
وحاول شفيق الاشتباك مع قضايا يعتبرها معارضون نقاط ضعف لدي السيسي، لاسيما في ملف حقوق الإنسان، بقوله إن "الحقوق الإنسانية الطبيعية ليست بمنحة لأحد، كما أنها لا تمنح أو تطبق تدريجيًا إطلاقًا، فإما ديمقراطية أو لا ديمقراطية".
وطرح شفيق، الذي أيد السيسي في رئاسيات 2014، نفسه في المعسكر الذي يرى أهمية الوصول إلى "حكم مدني وديمقراطي نموذجي ومستقر قابلًا للمراجعة والنقد"، متمسكا بخيار التغيير و"تجديد الدماء"، والتعاون مع الجميع، دون أن يسم جهة ولا تيار ولا شخصيات.
كما قدم نفسه للجماهير بأنه "صاحب الخبرات الطويلة داخل مؤسسات الدولة"، سواء من كونه قائد سابق للقوات الجوية لمدة 6 سنوات، وبقاءه سنوات طويلة في الحكومة ما بين وزير للطيران، ورئيس أسبق للوزراء.
وبينما يختتم السيسي خطاباته عادة بكلمتي "تحيا مصر"، اختتم شفيق حديثه بقوله: "عاشت مصر عزيزة مكرمة.. عاش المصري عزيزاً مكرماً".
وعقب الإعلان، شن إعلاميون وسياسيون مصريون مؤيدون للسيسي، منهم عمرو أديب، وأحمد موسي، ومصطفي بكري، هجوماً حاداً على ترشح شفيق وخروجه عبر قناة "الجزيرة".
وتنوعت الانتقادات بين وصف تلك الخطوات بأنها "انتحار سياسي" و"طعنة لمصر والإمارات" و"سقطة لا تغتفر"، مرددين أن "السيسي تعب في بناء الوطن"، ولا يجب لشفيق أن يستلمه "جاهزًا".
وشفيق هو وصيف مرسي، في رئاسيات 2012، حيث حصل الأول على أكثر من 12 مليون صوت (49% من الأصوات)، قبل أن يغادر مصر إلى الإمارات، عقب إعلان خسارته الانتخابات، وهو يترأس حزب "الحركة الوطنية"، الذي يشهد منذ فترة استقالات تتم بشكل مفاجئ.
وسبق اتهام شفيق في قضايا فساد نال البراءة في أغلبها وأسقطت أخرى، قبل أن ترفع السلطات اسمه من قوائم الترقب والوصول، في نوفمبر/ تشرين ثانٍ 2016، وهو ما أكدته محاميته دينا عدلي حسين، عبر "فيسبوك" أمس.
والسيسي، الذي لم يحسم موقفه من الترشح لولاية ثانية وأخيرة، جاء رئيسًا في 8 يونيو/ حزيران 2014، لمدة 4 سنوات، بعد حصوله على نحو 23 مليون صوت (من بين 25 مليون صوت) من أصل نحو 54 مليون ناخب، فيما حصل منافسه الوحيد، اليساري حمدين صباحي، على 757 ألف و511 صوتاً.
** زالزل سياسي
سعيد صادق، الأكاديمي المصري المتخصص في علم الاجتماعي السياسي، قال للأناضول إن "توقيت إعلان شفيق جاء بعد أكبر مذبحة في تاريخ الإرهاب بمصر طالت مسجداً في العريش.
وفي 24 نوفمبر/ تشرين ثانٍ الجاري أسفر هجوم إرهابي على مسجد الروضة بالعريش (شمال شرق)، أثناء صلاة الجمعة، عن مقتل 310 أشخاص، في أخضم هجوم من نوعه في تاريخ مصر.
وكلف السيسي الجيش، أمس، باتخاذ كل "القوة الغاشمة" لفرض الاستقرار بسيناء، في 3 أشهر.
وتابع صادق: "لا دخان بدون نار، وهناك نقد غربي للسيسي بأنه لم يستطع القضاء على الإرهاب.. كل هذه الأجواء دفعت شفيق إلى أن يقرأ أن الوضع الإقليمي والدولي والداخلي ويراه مناسبا لتمهيد ترشحه، وتحديه على نحو ما رأينا".
واعتبر ما حدث "زلزالاً سياسياً بمصر قد يغير المعادلة، لأنه جاء بينما وضعية النظام في حالة ضعف، وشفيق يحظي بدعم عسكري معروف ودعم الدولة العميقة (البيروقراطية المركزية)، بجانب القاعدة الاجتماعية التي كانت تؤيد السيسي، إضافة إلى أن الإسلاميين يؤيدونه من باب الخلاص من السيسي الذي وضعهم في السجون".
ومنذ الإطاحة بمرسي تشهد مصر أزمات عديدة سياسية واقتصادية وأخرى متعلقة بالحريات، غير أن النظام يردد أنه يبني مصر في ظل إرهاب وظروف أخرى صعبة، ويلتزم بالقانون والدستور، دون قيد على الحريات أو انتهاك لحقوق الإنسان.
وعن اعتزام ترشح شفيق للرئاسة عاد صادق للقول: "هذا زلزال سياسي مع الإعلان عنه بهذه الطريقة من الإمارات.. الأمر أكبر من أبو ظبي، فنحن إزاء موضوع دولي، وليس محلياً، فرئاسة مصر مسألة دولية وإقليمية، قبل أن تكون مسألة محلية، كونه الرئيس القادم لبلد مهم في المنطقة".
واعتبر أن "شفيق هو المنافس الحقيقي للسيسي، فقد حصد المركز الثاني في الانتخابات الرئاسية (2012)، والقاعدة التي انتخبت السيسي هي القاعدة نفسها التي انتخبت شفيق، وربما تتجه إلى الأخير في ظل تراجع شعبية السيسي.. فبخوض شفيق للانتخابات قد تتغير المعادلة السياسية بمصر".
واستدرك: "ولكن طبعا وارد أن يكون موقف شفيق ضمن ورقة تستخدم للضغط على السيسي خارجياً للقبول بأمور ما أو استعجال تنفيذ أخرى، مثل صفقة القرن المعنية بحل القضية الفلسطينية".
** تحدٍ له شروط
السياسي المصري المعارض، مجدي حمدان، المؤيد لشفيق، تحدث للأناضول عن دلالة قوية لإعلان ترشح شفيق من الإمارات قائلاً إنه "لا يعرف اليأس، وأحدث زالزلاً في الشارع المصري وسيغير المعادلة، وليس تابعاً لأحد إلا وطنه العزيز مصر".
وتوقع حمدان أن أغلبية المصريين سيتجهون للتصويت لصالح شفيق، معتبراً أن "قرار ترشحه جعل وجوه التابعين للنظام عابسة، وباقي المصريين مستبشرة بالتغيير".
وأعرب عن اعتقاده بأن "الحرب التي بدأت على شفيق، عقب إعلان ترشحه والطعن فيه ومن قبلها تقديم أفراد استقالتهم من حزب يترأسه، تؤكد أنه مرشح قوى".
ورجح أن "كل من يختلف مع السيسي سيدعم شفيق في الانتخابات، خاصة الإسلاميين وقبلهم شرائح كبيرة في المجتمع ستراه حلاً لكثير من الأزمات الحالية".
واتفق معه الأكاديمي والحقوقي المصري البارز، سعد الدين إبراهيم، بقوله للأناضول: "أعتقد أن المجتمع المصري سيتقبل ترشح شفيق مرة أخرى؛ فهو يملك نحو 13 مليون صوت حصل عليهم في رئاسيات 2012، منها 6 أو 7 ملايين صوت لديهم ولاء لشفيق".
وأضاف أن "الاستياء من الأوضاع السياسية وارتفاع تكاليف المعيشة والغلاء والأوضاع الأمنية ليس في صالح السيسي، وبالتالي هو في صالح أي منافس آخر، ما يرجح احتمالات منافسة جادة بين شفيق والسيسي".
في المقابل، رأى جواد الحمد، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في الأردن (غير حكومي)، أن "ترشح شفيق ليس زلزالاً، لأنه ترشح سابقاً وكاد أن ينحج، والمرة الحالية قد ينجح أو لا، أي مواطن مصري يحق له الترشح".
واستدرك بقوله للأناضول: "هنا لا يمكن أن نسميه زلزالاً، لكن ممكن أن نقول إنه لم يكن متوقعاً أن يرشح عسكري نفسه في مصر أمام عسكري آخر (السيسي)".
ونبه الحمد إلى "أهمية توافر شروط عديدة مستقبلية، تتمثل في الأهمية القصوى لإجراء انتخابات حرة نزيهة وتنافسية، وبقاء الحكومة على الحياد، وإطلاق الحريات، وعدم تدخل أي دولة في الشؤون المصرية".