هزيمة نتنياهو في القدس: من وكيف ولماذا..؟

رغم تزاحم أطراف عدة محاولة نسبة النصر إليها في القدس الشريف، إلا أن هناك سببا خفيا وقويا هو ما ألزم رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو للخضوع لمطالب المقدسيين بإعادة الأوضاع في المسجد الأقصى المبارك إلى ما كانت عليه قبل الرابع عشر من تموز الماضي، عقب مقتل اثنين من شرطة الاحتلال الإسرائيلي في باحات الحرم المقدسي.
 
ولعل فيما كتبه المعلق الإسرائيلي ألون بن دافيد، في صحيفة "هآرتس" العبرية (28/7/2017) ما يميط اللثام عن هذا السبب الخفي، حين قال إن "هناك جبالا يحتاج احتلال قممها إلى دفع ثمن باهظ. جبل البيت (الأقصى الشريف) أخطر من قمة إفرست. فهو القاسم المشترك الذي يمكنه إخراج الناس الى الشوارع من الرباط وحتى طهران، بل حتى جاكارتا.
 
ومن يقوم بالتغريد على درج الطائرة دون تفكير مسبق وتخطيط ويعتقد على أنه يستطيع إنشاء وضع جديد فان نهايته أن يكون خاضعا وذيلة بين ساقيه (يقصد نتنياهو) . لقد نجحت القيادة في "إسرائيل "في هذا الأسبوع في جسر الفجوة بين جميع الأعداء في العالم العربي والإسلامي والتقريب بين حماس وأبو مازن، وفي الطريق إيضا اعادة الابتسامة إلى وجه الحركة الإسلامية في إسرائيل التي قمنا بإخراجها خارج القانون قبل عامين!"
 
وتكشف تصريحات وكتابات لقادة ومعلقين إسرائيليين أن إسرائيل ضبطت إيقاعات إجراءاتها في الحرم القدسي الشريف بالتنسيق مع عدد من الأنظمة العربية، إما بالاتصال المباشر أو عبر الوسيط الأمريكي، ولكن صمود المقدسيين الذين استمر اعتصامهم خارج أبواب الأقصى ثلاثة عشر يوما بلياليها، أجبر قادة إسرائيل، وبضغط وتشاور مع حلفائهم،
 
الذين خافوا من اندلاع انتفاضة عربية إسلامية عارمة، لإزالة بواباتهم الإلكترونية وكاميراتهم، والخضوع لمطالب المصلين الذين رفضوا دخول المسجد عبر تلك البوابات..
 
وفي هذا الصدد، يقول المعلق الإسرائيلي تسفي برئيل/ في صحيفة "هآرتس" العبرية (28 / 7/ 2017) إن الجديد في قضية الحرم هو أنه ليس فقط إسرائيل هي التي خافت من اندلاع انتفاضة فلسطينية، بل أيضا الكثير من الزعماء العرب. وكما ظهر في ثورات الربيع العربي فإن الانتفاضات معدية وخطيرة، والانتفاضة الفلسطينية لم تعد تعبيرا محليا عن الصراع القومي ضد الاحتلال الإسرائيلي، بل من شأنها أن تحشد التأييد الكبير الذي سيضع الأنظمة العربية أمام صدام عنيف مع الجمهور، علما بأن حركة الاحتجاج المصرية "كفاية" نشأت في العام 2004 على أساس معارضة السياسة الإسرائيلية في فلسطين، والاحتلال الأمريكي في العراق والمطالبة بالإصلاحات في مصر".
 
وهكذا بدا أن تفجر الأوضاع في القدس الشريف أنذر بعودة الحياة إلى الشارع العربي الذي سحقته الثورة المضادة، الأمر الذي أضاء المصابيح الحمراء في أكثر من عاصمة عربية وأجنبية، وهو ما دفع نتنياهو إلى دفع الثمن الباهظ بظهوره بمظهر الخاضع لإرادة المقدسيين، وإلغاء كل القيود التي وضعتها شرطته على بوابات الحرم القدسي الشريف، وهو ثمن أقل كلفة من الثمن الذي كانت ستدفعه إسرائيل فيما لو "ركبت رأسها" وأصرت على توحيد الصف العربي والإسلامي خلف المقدسيين، وجمع كل المتناقضين الذين لا يجدون مناصًا من الالتفاف حول قضية القدس، سرا أو علانية، فهي القضية التي لا يجرؤ أحد على المجاهرة بخذلانها.
 
من هنا يتعين على من يريد ترميم الوجدان الجمعي للعالم العربي والإسلامي أن يتخذ من هذه القضية متكأ لأي مشروع يستهدف إعادة بناء الهوية الجامعة في هذا العالم الإسلامي، وطي كل صفحات الخلاف العرقي والإثني والطائفي والمذهبي وحتى العقائدي، فالقدس في رمزيتها الوطنية والحضارية والقومية لا تقل أهمية عن رمزيتها الدينية، كثالث الحرمين الشريفين، ومسرى نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم.
 
ويبقى النصر الذي حققه المقدسيون، وإعادة رفع العلم الفلسطيني على أسوار الأقصى، علامة فارقة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، إذ ينظر إليه بعض معلقي صحافة إسرائيل، كإشارة سوداء على تهديد الوجود اليهودي في فلسطين، وهدم كل ما بناه الاحتلال خلال نصف القرن الماضي من احتلاله للقدس.
 
تقول المعلقة الإسرائيلية نافا درومي، في صحيفة "هآرتس" العبرية (1/8/2017) تحت عنوان "يا نتنياهو أعد لنا الاحترام!" إن "صورة العلم الفلسطيني في الحرم كانت المسمار الأخير في أمل بنيامين نتنياهو أن يبتلع اليمين مع مرور الوقت حبة الدواء المرة".
 
وتضيف: "عندما شاهد نتنياهو صورة العلم (الفلسطيني) من المؤكد أنه شعر بالإهانة والألم، وأنه هو الوحيد المسؤول عن ذلك". وتضيف في إشارة إلى إخلاء مستوطنين من مستوطنة عمونة بالضفة الغربية بقرار قضائي، ومحاكمة الجندي الذي قتل شابا فلسطينيا وهو جريح، وأيضا إلى اضطرار نتنياهو للاعتذار لتركيا في قضية مرمرة.
 
هذا الأمر (الحرم المقدسي) أكبر من عمونة ومن العلاقة مع تركيا. فنتنياهو قرر في النهاية رفع جميع وسائل الحماية في الحرم، ومعها ما بقي من الاحترام القومي الموجود. "صخرة وجودنا"، (كما يسمي الحرم)، تلاشت وتلاشى معها حقنا في الوجود في هذه البلاد. بدل إصلاح إجحاف الخمسين سنة وإعادة الحرم إلى أيدينا، أعاد نتنياهو إلى الحرم من يحبون "مجزرة" خيبر! (في إشارة لغزوة خيبر الشهيرة في التاريخ الإسلامي)"

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر