"إلى من شاركتني الحصار.. أحبك"، عبارة لافتة خطفت الأبصار، كتبها زوج شاب لزوجته على جدار في حلب المدمرة، وأراد بها توثيق لحظة فراقهما المدينة.
يقول صالح (25 عاما) -وهو مصور صحفي وخريج معهد تقنيات حاسوب- "كنت أبحث عن فتاة تأخذ دور البطولة في فيلم كنت أنوي تصويره في حلب عن معاناة المدنيين داخل الحصار، وحينها تعرفت على مروة (20 عاما)، وأصبحت بطلة الفيلم وشريكة حياتي في الوقت نفسه".
ويضيف "وسط الحصار وبعد يوم واحد فقط من الاقتحام الأول لقوات النظام والمليشيا الموالية له لأحياء حلب الخاضعة للمعارضة، أعلنت أنا ومروة زواجنا؛ بالرغم من الخوف الذي كان يداهم قلوب نحو 250 ألف إنسان محاصر".
لم تمض سوى أيام قليلة فقط على زواجهما حتى بات العروسان يهربان من حي إلى حي، حتى أصبحت الحلقة ضيقة عليهما داخل أربعة أحياء يحيط بها النظام ومليشياته من كل جانب، هنا حمل صالح سلاحا ليدافع عن نفسه بعد أن أضحى وزوجته في خانة الموت، إلا أن اتفاقا أبرم بين النظام والمعارضة لخروج المدنيين -في أكبر عملية تهجير لسكان مدينة منذ بدء الثورة السورية- أنهى خيار القتال ولم يبق سوى خيار النزوح عن المدينة.
وقبل ساعات من مغادرتهما المدينة، قرر صالح أن يترك هدية لزوجته على جدار في حي الأنصاري، فكتب: "إلى من شاركتني الحصار.. أحبك"، وقد انتشرت صورة هذه العبارة بشكل واسع على شبكات التواصل الاجتماعي، فردت عليه زوجته بكتابة عبارة أخرى: "راجعين يا هوا".
يقول صالح للجزيرة نت "لم أكن أتوقع أن صورتنا أمام هاتين العبارتين ستنتشر بهذا الشكل، وقد أغاظت قوات النظام جدا حتى أنهم التقطوا صورا على الجدار نفسه نكاية بنا".
قصة "صالح ومروة" أصبحت حديث الآلاف على شبكات التواصل الاجتماعي، وتساءل الكثيرون عن مصير الزوجين الخارجين من حصار الموت في حلب، أين حطت بهما الرحال؟ وماذا حل بهما؟ وكيف يعيشان بعد تلك الصورة والبصمة التي تركاها وما تحمله من إنسانية في ظل دوامة التوحش التي كان النظام يحيط بها أحياء حلب الشرقية؟
ظل صالح ومروة يتنقلان بين قرى وبلدات مناطق المعارضة في إدلب لدى المعارف والأصدقاء، لا حول لهما ولا قوة، ولا يملكان شيئا يعينهما على الحياة، وحالهما في ذلك حال الآلاف من أهالي حلب المهجّرين الذين تقطعت بهم السبل في خيام عشوائية بُنيت على عجل لا تقي برد الشتاء في ريفي حلب الجنوبي والغربي، حيث يعيشون ظروفا إنسانية غاية في الصعوبة كحال جميع أبناء مدينتهم النازحين الذين يكابدون الظروف ذاتها، ولا سيما في ظل الأحوال الجوية القاسية.