إب: ديناميت المسيرة يطغى على السلام المزعوم

[ تقرير: ميليشيات الحوثي تفجير 75 منزل ومسجد بمحافظة إب منذ 2014 (يمن شباب نت: خاص) ]

على أنقاض منزلهم المدمر، وقف طفل قرية "الدهيمية" يتساءل: من فعل هذا بمنزلنا..؟!

كانت أمه تقف إلى جواره، مصدومة وربما غارقة بالحزن واستجرار بعض الذكريات الجميلة. فاجأها سؤال طفلها البريء، فالتفتت نحوه بحركة لا إرادية لتستقر عينيها بعينيه المتشوقة

Children-in-his-house-after-blasting-in-Alhazm-village

للمعرفة، لكنها سرعان ما اشاحت ببصرها بعيدا عنه متجولة في الحطام. لهنيهة، حدقت في الأفق، ثم سحبت تنهيدة كبيرة من أعماقها الملتاعة، وبدأت تهمس بصوت ضعيف مكتوم وهادئ: من فعل هذا؟ إنهم يا ولدي غرباء جاءوا بجحافلهم من خارج القرية، زرعوا الديناميت وعلى وقع الانفجارات صرخوا محتفيين: الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل. توقفت لحظات، ثم استدركت بهمس أشد، حتى لا يكاد يسمعه أحد سواها: ومع ذلك يقولون عن أنفسهم أنهم أتباع "المسيرة القرآنية".

كانت تدرك ان طفلها الصغير، ذو الثمانية أعوام، لن يفقه كثيرا مما قالته، لذا بدى وكأنها كانت تحدث نفسها لتفرغ ما يعتلج في أعماقها من ألآم. ذهب الطفل يقذف بالسؤال تلو الأخر: هل هم يمنيون؟ وهل وجدوا من يبحثون عنهم هنا؟ ولماذا منزلنا بالذات...؟!  

ودون أن تلتفت نحوه، مسحت على رأسه المغبر برفق، وردت بهدوئها المعتاد: ستعرف كل ذلك حين تكبر يا ولدي..! ثم أخذت بيده ومضت معه نحو الوادي لتلحق بركب النازحين، أو المشردين على الأرجح.

مأساة "الدهيمية"

أواخر شهر يناير الفائت، ارتكبت ميليشيا الحوثي وصالح الانقلابية جريمة بحق الإنسانية في قرية صغيرة أسمها "الدهيمية"-عزلة الأسلوم- مديرية حزم العدين شمال غرب محافظة إب.

Children-in-there-house-after-blasting

 

 اقتحمتها بعنجهية وفجّرت عشرة منازل، من أصل (46) منزلا، بحجة أن أصحابها يعادون توجهات  وأهداف  المسيرة القرآنية. هكذا يقولون دائما، عندما يختارون المنازل لتفخيخها، ثم يتلذذون بسماع  أصوات الانفجارات  ومشهد الأحجار المتصاعدة مع الدخان في الأرجاء...! 

 ويؤكد أبناء القرية أن الميليشيات لم تكتفي بذلك، بل انتشرت مباشرة وفرضت حصارا عليها، بما في ذلك    تلك  المنازل التي تحولت إلى حطام، كي لا يعود إليها أهلها. استمروا أياما ثم غادروا بعد أن أثاروا  الرعب في كل  مكان، تاركين ما تبقى من القرية لوكلائهم المعروفين من أبنائها.  

 

 

ديناميت المسيرة في "إب"

 في 21 سبتمبر 2014، اجتاحت ميليشيات الحوثي العاصمة اليمنية صنعاء، بمساعدة قوات من الجيش  الموالين  للرئيس المخلوع صالح. أنداك، كانت الدولة ما تزال في بداية مرحلة انتقالية اتسمت بالضعف والتوهان، حيث لم تكن قد مرت أكثر من سنتين على الثورة الشعبية التي اسقطت نظام صالح.

استغلت الميليشيات هذه الحالة. وزاد من نهمها للسيطرة، أن وجدت نفسها تجتاح العاصمة صنعاء بسهولة وبدون أي مقاومة تذكر، فذهبت تتوسع نحو بقية المدن الأخرى. وكانت محافظة إب واحدة من المحافظات التي وصلتها سريعا لتفرض سيطرتها عليها باكرا في أكتوبر 2014.   

اشتهرت ميليشيات الحوثي الانقلابية بتفجير منازل بعض المواطنين، ممن تصنفهم على أنهم خصومها الكبار. وكان الهدف من ذلك ترهيب وترويع بقية السكان. وهكذا كانت كلما اقتحمت منطقة ما، تختار مجموعة من المنازل لتفجيرها، لتركيع المنطقة كلها تحت ديناميتها وبندقيتها.

وتأتي محافظة إب في طليعة المناطق التي تعرضت لمثل هذا النوع من الجرائم. فقد فجّرت المليشيات الانقلابية عددا كبيرا من المنازل والمقرات التابعة لمعارضيها في نحو (14) مديرية من أصل 20 مديرية في المحافظة.

وأحدث تلك الجرائم، كما اشرنا، اجتياح قرية "الدهيمية" بمديرية حزم العدين، وتفجير عشرة منازل فيها، في ثلاثة أيام متتالية من الأسبوع الأخير لشهر يناير الفائت. وفي مطلع الأسبوع الثاني من الشهر ذاته، أحرقت منزلين في مديرية القفر.    

أنظر الجدول رقم (1) المرفق أدناه، والذي يوضح الـ12 جريمة تفجير وحرق المنازل، الأخيرة، التي ارتكبتها الميليشيات خلال شهر يناير الماضي، فقط.

Ibb-house-in-blasting-Jonuary2017

المحافظة الأعلى في جرائم تفجير المنازل

تعود بنا هذه الجرائم الأخيرة، إلى التاريخ التدميري الذي خصت به الميليشيات محافظة إب، وجعلتها في المرتبة الأولى، تقريبا، من بين كافة المحافظات، في عدد المنازل التي فجرتها، طوال الفترة الماضية، منذ بداية توسعها، ومن ثم سيطرتها على المحافظة، حتى شهر يناير الماضي.  

 وتكشف إحصائية أعدتها وحدة الرصد والتوثيق التابعة للمركز الإعلامي للمقاومة الشعبية بمحافظة إب، عن قيام الميليشيات بتفجير (71) منزلا ومنشأة مدنية خاصة، وأربعة مساجد، خلال الفترة من 15 أكتوبر 2014، وحتى 15 فبراير 2017.

أنظر الجدول رقم (2) المرفق أدناه، والذي يتضمن بيانات بأسماء أصحاب المنازل التي تم تفجيرها، وتاريخ التفجير، ونوعيته، والمديرية.

Ibb-the-house-in-blasting1-1

مع ملاحظة الأتي: -

- أن هناك منزل وصيدلية تابعين للقيادي حاليا في الجيش الوطني ومقاومة تعز "عدنان رزيق"، تم تفجيرهما بتاريخ 6/12/2014، بمديرية ذي السفال، غير أنهما احتسبا في الجدول المرفق كتفجير واحد ضمن التسلسل الرقمي (7)، وليس كتفجيرين مستقل أحدهما عن الأخر. وقد وضعنا عليه إطار أحمر للتميز بأن هناك منشأتين تم تدميرهما، وليس منشأة واحدة فقط كما هو محسوب تسلسليا في الجدول.  

Aljamal-house

- وبالمثل أيضا، هناك ثلاثة منازل تم تفجيرها دفعة واحدة، في قرية خنوة بمديرية ذي السفال بتاريخ 10/12/2015، إلا انه، ونظرا لعدم معرفة الأسماء، تم ضم المنازل الثلاثة المُفًجرة في

رقم تسلسلي واحد هو الرقم (32)، كما هو ملاحظ في الجدول المرفق أعلاه بإطار أحمر.

 

نوع التفجير والهدم

وكما هو ملاحظ في الجدول السابق، أيضا، سنجد - في عمود "نوع التفجير" - أن تلك الجرائم توزعت بين ثلاثة أنواع، هي: تفجير/هدم كلي، وتفجير/هدم جزئي، وحرق.

ووفقا لهذا التصنيف، فقد تم إحصاء (56) منزلا ومنشأة مدنية خاصة، تم تفجيرها كليا، بينما تم تفجير (6) منازل جزئيا، في حين تعرضت (9) منازل للحرق. كما هو موضح في الجدول رقم (3) أدناه:

Ibb-total-of-the-house-in-blasting

ويفرز الجدول أعلاه إجمالي كل نوع من تلك الأنواع الثلاثة على حده. مع الأخذ في الاعتبار الملاحظتين السابقتين الواردتين في الجدول رقم (2)، بخصوص الرقمين (7)، و(32)، حيث وأن المنزل والصيدلية (في الرقم: 7)، والثلاثة منازل (في الرقم: 32)، تم تدميرها بشكل كلي.   

كما يمكن إضافة توضيح للجدول رقم (3)، أعلاه، أن الأضرار الجزئية، يقصد بها تلك التي جاءت نتيجة: إما تضرر المنازل المجاورة نتيجة قيام الميليشيات بتفجير المنازل بالديناميت؛ وإما نتيجة القصف العشوائي أو الممنهج الذي تقوم به الميليشيات.

2-Houses-in-blasting-Ibb

حتى دور العبادة لم تسلم

لم تقتصر جرائم الميليشيات في محافظة إب على تفخيخ وتفجير المنازل فقط، بل تعدتها إلى دور العبادة أيضا.

ورصد المركز الإعلامي لمقاومة إب، قيام ميليشيات الحوثي وصالح بتفجير ثلاثة مساجد ودار للقرآن الكريم. حسب ما يوضحه الجدول رقم (4) أدناه، بالاسم وتاريخ التفجير والمديرية.

Ibb-Mosques-in-blasting

ومن الجدول السابق، يتضح أن ميليشيات الحوثي وصالح قامت أولا بتفجير جامع "الصبار" بمديرية الرضمة، في 15 أغسطس 2015، ثم بعدها بيومين فقط، قامت بتفخيخ وتفجير دار القرآن الكريم بالمديرية نفسها. تلتها بأسبوعين فقط بتفجير مسجد قرية "الحقي" بعزلة المنار- بمديرية بعدان في الـ 30 من الشهر نفسه. فيما أفتحت العام التالي بتفجير جامع قرية العريش بمديرية السبرة في 26 يناير 2016.

جغرافيا.. حزم العدين الأعلى

وفقا للتقسيم الجغرافي، توزعت تلك الجرائم إجمالا على 14 مديرية من أصل 20 مديرية في المحافظة. ويوضح الجدول رقم (4) أدناه، عدد التفجيرات التي قامت بها الميليشيات في كل مديرية من المديريات الـ(14).

Ibb-total-with-area-and-kind

ومن الواضح أن تلك المديريات هي التي وجدت الميليشيات الانقلابية مقاومة داخلية فيها لتمارس معها هذا النوع من الجرائم الترهيبية، اللا أخلاقية، لإخمادها وتركيعها. لذلك يكشف الجدول السابق أن مديرية "حزم العدين" نالها النصيب الأكبر من جرائم تفجير المنازل، بواقع (18) منزلا فجرتها الميليشيات.

وهذا يعزز ما ذهبنا إليه أنفا، حيث وأن الميليشيات، فعلا، قد واجهت مقاومة شرسة استمرت لفترة طويلة في مديرية "حزم العدين"، قبل أن تجتاحها مع أواخر يوليو ومطلع أغسطس 2016 وتقوم بتفجير منازل قادة المقاومة البارزين خلال تلك المواجهات المسلحة.

تلتها في المرتبة الثانية ثلاث مديريات هي: السبرة، وبعدان، والرضمة، بالتساوي بعدد (8) منازل تم تفجيرها في كل منها، بينها مسجد في مديرية السبرة. بعدها، في المرتبة الثالثة، جاءت مديريتي: ذي السفال ويريم بعدد (7) جرائم.

ويمكن العودة إلى الجدول رقم (5)، لمعرفة ترتيب بقية المديريات، قياسا بعدد التفجيرات التي طالت منازل سكانها.

Alhamati-house

الأعوام: 32 تفجيرا في 2015

وإذا ما قمنا بتوزيع جرائم التفجير والحرق التي ارتكبتها الميليشيات بمحافظة إب، على الأعوام الأربعة التي رصدها التقرير المذكور، منذ بداية اجتياحها المحافظة في أكتوبر 2014، وحتى شهر يناير الماضي 2017، سنجد أن الميليشيات لم تتوقف في أي عام عن مواصلة عملياتها التفجيرية للمنازل والمنشاءات المدنية، إذ وزعت انتقامها وترهيبها طوال الأعوام الأربعة، وإن تفاوتت في ذلك بين عام وآخر. وبشكل عام، حاز العام 2015 على النصيب الأكبر في عدد هذه الجرائم التي ارتكبتها الميليشيات في محافظة إب.

أنظر الجدول رقم (6) المرفق أدناه، والذي يوزع إجمالي جرائم تفجير المنازل على الأعوام الأربعة: 2014، 2015، 2016، 2017.

Ibb-blasting-with-years

وباستقراء محتوى الجدول السابق، سنلاحظ أن تقرير لجنة الرصد في المركز الإعلامي للمقاومة الشعبية بمحافظة إب، سجل ارتكاب الميليشيات 32 تفجيرا في العام 2015 فقط. أي ما يمثل نسبته 45% من إجمالي جرائم التفجير وحرق المنازل المرتكبة في محافظة إب طوال الأعوام الأربعة. وكانت النسبة الأكبر في هذا العام للمنازل التي تم تدميرها بشكل "كلي"، بواقع (26) منزلا، وثلاثة منازل "جزئيا"، ومثلها تعرضت لـ"الحرق". أنظر الجدول أعلاه.

مع ملاحظة أن الجدول السابق لا يشمل دور العبادة التي تم تفجيرها خلال الفترة المذكورة. أما إذا أضفناها، فسيرتفع العدد إلى 35 تفجيرا خلال العام 2015، حيث تم فيه تفجير مسجدين ودار للقرآن الكريم. (عد إلى الجدول رقم: 4).

وبعده، يأتي العام 2016 في المرتبة الثانية في عدد التفجيرات، بواقع 19 تفجيرا (+ مسجد واحد). ما يمثل ربع النسبة تقريبا (26.7%) من الإجمالي العام.  

فرضية: الأكثر تفجيرا.. الأكثر مقاومة

وعلى هذا النحو، فإننا، ومن خلال دراسة وقراءة الأرقام الواردة في الجدول أعلاه (رقم: 6)، قد يمكننا التوصل بسهولة إلى معرفة الترتيب الزمني لشكل وطبيعة المواجهات التي اعترضت مسيرة سيطرة الميليشيات في بعض مديريات محافظة إب، من حيث القوة/الذروة، والضعف، إضافة إلى تموضعها الجغرافي وفقا للزمن.

 ففي العام 2014، الذي بدأت فيه محاولات الاجتياح الأولى للمحافظة، وتحديدا منذ منتصف شهر أكتوبر، كانت نسبة التفجيرات هي الأقل من بين جميع الأعوام المذكورة، حيث ارتكبت

Salah-qadri-house

الميليشيات (8) فقط من هذه الجرائم. وعلى الرغم أن الفترة المتبقية لنهاية العام كانت قليلة، أقل حتى من ثلاثة أشهر كاملة، إلا أن تركز التفجيرات التي قامت بها الميليشيات لمنازل قيادات المقاومة في خمس مديريات، هي: يريم، الرضمة، الحزم، العدين، وذي السفال، يجعلنا – وفقا لهذه الفرضية - نرجح أن معظم المواجهات حدثت في هذه المديريات الخمس أكثر من غيرها. وعمليا، إذا ما عدنا إلى المعلومات الارشيفية لتسلسل الأحداث، سنجد أن شدة المواجهات تركزت - في بدايتها- فعلا، في تلك المديريات أكثر من غيرها.

 أما إذا أخذنا المقارنة بين عامين كاملين، هما: 2015، و 2016، فسنجد أن الفرضية السابقة تتحقق أكثر. ففي العام التالي، أي 2015، ارتفعت جرائم التفجيرات التي ارتكبتها الميليشيات إلى (32) جريمة، إضافة إلى مسجدين ودار للقرآن، أي (35) جريمة. بينما في العام الذي بعده، (2016)، وجدنا أنها تنخفض إلى النصف تقريبا، (19) تفجيرا فقط، إضافة إلى تفجير مسجد واحد.

وبالعودة إلى الجدول رقم (2) سنجد أن التفجيرات، خلال العام 2015، توزعت إلى 11 مديرية، بينها المديريات الخمس السابقة، أي أن هناك ست مديريات إضافية دخلت في نطاق استهداف الميليشيات، وهي: القفر، السياني، المخادر، الظهار، بعدان، وجبلة.  

ومن المرجح أكثر، أن مرد ذلك، يعود إلى أن الميليشيات التي كانت قد سيطرت على المحافظة شبه كليا مع نهاية 2014، والأشهر الأولى من 2015، واجهت بعض الانتفاضات في بعض هذه المديريات فسعت إلى إخمادها بطريقتها الترهيبية من خلال اقتحامها وتفجير عدد من المنازل فيها.

 ومع اقتراب نهاية العام 2015، انفجرت مواجهات في الحزم والعدين وبعدان وجبلة وبعض المديرات الأخرى. وكانت المقاومة قد حققت فيها إنجازات وتقدمات كبيرة، إلا أن عدم اسعافها بالمؤنة والسلاح جعلها نهبا للقوة العسكرية الكبيرة والقبضة الحديدة المحكمة المفروضة من الميليشيات على المحافظة، فأخمدت معظم تلك الانتفاضات واستخدمت في ذلك أسلوبها الترهيبي المعروف بتفجير منازل كبار الخصوم. وهذا ما جعل هذا العام هو الأكثر في عدد المنازل المفجرة من قبل الميليشيات، حيث سعت من خلال ذلك إلى إخماد أي تحركات مشابهة قد تواجهها مستقبلا، وتستكمل بسط سيطرتها ونفوذها أكثر على الأطراف.   

Houthi-Militia

 أما في العام التالي، 2016، فقد جاء أوله مع تواصل عمليات الميليشيات العسكرية لإخماد  تلك الانتفاضات، واستقر لها في أوسطه بعد أن حققت نجاحات كبيرة في ترهيب المواطنين  عبر تفجيرات منازل قيادات المقاومة في المديريات المنتفضة ضدها، فيما تواصلت  معاركها مع المقاومة في حزم العدين لتجتاح المديرية وتفجر منازل قيادات المقاومة فيها،  مع أواخر يوليو ومطلع أغسطس.

 ولم يشهد هذا العام، تقريبا، أي مواجهات عنيفة سوى في ست مديريات فقط، بينها ثلاث  مديريات مضطربة من السابق، هي: يريم، والحزم، وذي السفال، فيما انضمت إلى  الصراع ثلاث مديريات أخرى جديدة، هي: السبرة، والمشنة والنادرة. وشهدت مديرية  السبرة العدد الأكبر من جرائم التفجيرات في هذا العام، بواقع (7) تفجيرات لمنازل ومسجد  واحد، اثناء اقتحامها مطلع العام، في 26 من يناير 2016.

 

 

شموخ في زمن الانكسار

ما أصعب أن تقف على أطلال منزلك وقد أحيل إلى مجرد حطام بعد أن دُمِر على وقع صرخات الموت الكاذبة وحقيقة دوي الديناميت القاتل. والأقسى منه أن يُشرد أطفالك، دون أن تكون قادرا على فعل شيء.

غير أن هذا المشهد القاسي والمؤلم، قابله أيضاً بسالة وشموخ وصمود أسطوري من أسر الضحايا، الذين أظهروا رباطة جأش كبيرة، وصلابة الرجولة وبأس اليمني الأصيل الذي صادر على المجرم نشوة الاحتفاء بالجريمة.

"علي مسعد بُدير"، وهو أول ضحية في إب، اصطلى بنار الجريمة حين تعرضت منازله للتفجير وبات في ليلة وضحاها مشرداً، وجدناه صامدا لم يهتز له جفن، وهو يقرر بشموخ الأبطال الذين يضحون بالغالي والنفيس لأجل استعادة مدينتهم، قائلا: "منازلنا ليست أغلى من الدماء التي سالت وكل ما ذهب فداء لهذا الوطن".

badee3r-house

ومثله، الشيخ الشهيد البطل "نايف الجماعي" وقف هو الآخر على أطلال منزله المدمر قائلا بعزة وشموخ: "منزلي ومنازل جميع قادة المقاومة لن تكون أغلى من دماء أبناء المحافظة، ونحن لم نختر هذا الطريق إلا ونحن نعرف عواقبه، خصوصاً مع من لا ضمير ولا مبدأ لديهم من عصابات اعتادت القتل للنفس التي حرم الله، وما دون ذلك فهو أهون".

كذبة السلام المزعوم

مع بداية اجتياحها المحافظة، أوآخر العام 2014، استخدمت المليشيات الانقلابية أسلوبين مختلفين للتمكين والسيطرة: -

- الأول: الترغيب، من خلال تكريس إعلاناتها بأن مدينة إب مدينة للسلام وليس الحرب، وساعدها في ذلك قيادات المحافظة المنتمية في معظمها لحزب المخلوع صالح المتحالف مع ميليشيات الحوثي في الانقلاب والسيطرة على البلاد. حيث تفرغت تلك القيادات لتخويف أبناء المحافظة من الحرب التي ستحول المدينة إلى خراب ودمار، وبالتالي يجب الانصياع والاستسلام إلى الأمر الواقع لتجنيب المحافظة ويلات الحرب.

- الثاني: الترهيب، الذي ترافق دائما إلى جوار الترغيب كبديل لتسويغه، حيث كانت تقتل أو تعتقل أو تفجر منازل كل من يحاول إثارة المواطنين ضد تواجد الميليشيات أو ظلمها وانتهاكاتها.

لذلك، كثيرا ما كانت أصوات الديناميت تطغى على صوت السلام الزائف. ومع الحديث المتواصل الذي يلوكه الانقلابيون عن الأمان وتحول المدينة إلى مخيمات تأوي النازحين من الحرب في تعز والضالع وغيرها، كان بعض أبناء المحافظة يجدون أنفسهم مشردين في الجبال والوديان بعد تفجير منازلهم، أو في المنافي وخلف الحدود نتيجة شبح الملاحقات والمطاردات.

Ibb-City2

وفي الخلاصة: دُمِرت حياة معظم المواطنين، فيما ظلت شهوة الانتقام تطغى وتستفحل لدى المجرمون. وليس أدل على ذلك، أن تكون مدينة السلام المزعوم، هي الأعلى في قائمة جرائم الميليشيات الانقلابية في عدد المنازل والمنشاءات المدنية التي قامت بتفجيرها وتدميرها.  

ذلك، على الأرجح، ما سيعرفه طفل قرية "الدهيمية" عندما يكبر.

ولعل منزله، الذي تم تفجيره وتدميره، من بين 12 منزلا افتتحت بها الميليشيات شهرها الأول فقط من العام الجديد (2017)، بقدر ما قد يوحي أن ديناميت المسيرة التفجيرية بات أكثر طغيانا هنا في إب، فإنه وبالمقابل قد يوحي أيضا، أن ذلك الإرهاب المنظم ما كان له أن يحقق أهدافه كاملة، طالما وأن هناك من مازالوا يواصلون الرفض واثارة الرعب في قلوب المجرمين، وهم يتوالدون بين الحين والأخر، برغم كل ذلك، دون أن يردعهم أو يوقفهم تفجير 75 منزلا ومنشأة مدنية.   

وذلك، على الأرجح، ما سيكونه طفل قرية "الدهيمية" عندما يكبر.

 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر