تنظر كثير من المجتمعات إلى "الشيف" بإعجاب وغبطة، فبين يديه الأكلات التي تشتهيها النفس البشرية بشكل يومي، لكن الأمر يختلف في حالة الطبخ داخل المنازل، ويشكل في كثير من الأحيان عقبة أمام تفاهم الزوجين، وخصوصاً في اليمن، حيث يرى الزوج "ذو الخنجر على خصره" دخوله للمطبخ معيباً.
يبدو "الشيف" في البيت اليمني الأكثر ضجراً من المهام الروتينية، وهي تفاصيل متعلقة بتجهيز ثلاث وجبات يومياً تتحملها المرأة وحيدة، إلى جانب الاستعدادت قبل الأكل وبعده، ويزداد الأمر تعقيداً في معظم الأسر اليمنية التي تزداد عدداً.
وتتحمل المرأة (الزوجة والأخت والأم) تلك الأعباء، وعادة ما يرفض الرجل ذو العادات والموروث القَبَلي الدخول إلى المطبخ وتقديم المساعدة، وبات الأمر أشبه بكابوس ونقطة خلاف، حتى إن كثيراً من المقدمين على الزواج يشترطون إتقان الفتاة لهذه المهارة هروباً من أعباء المطاعم ومخاطر غياب الصحة في مأكولاتها.
"أم عبير الرضي" رأت أن الطبخ مهارة يجب أن تتقنها الفتاة حتى قبل أن تتوجه إلى زوجها وتكون ربة بيتها، مهما تعددت مهاراتها وارتقت في المستوى التعليمي.
وتقول الرضي لـ"الخليج أونلاين": "لأن الأكل حاجة يومية للجسم فالأجدر بالفتاة أن تكون قادرة على تقديم أكلات متنوعة على مائدة زوجها، وكما أن الأولاد يمثلون رابطاً بين الزوجين فإن إتقان الطبخ والتفنن فيه يزيد من تعلق الرجل بزوجته".
وفي بعض الحالات، يركز أهل الزوج على قدرة زوجة ابنهم على تنويع مائدة الطعام، ويرون فن الطبخ ضرورة ملحة، وهو ما تراه الرضي شرطاً مهماً فـ"الوجبات الجاهزة وأكل المطاعم لا يرغب فيه الزوج كثيراً".
وتشكو الرضي من أن الجيل الجديد وإحدى بناتها جزء منه، لا يعير اهتماماً لتعلم الطبخ ولا يحرص كثيراً على إتقانه قبل الانتقال إلى عش الزوجية، وهو ما تقول إنه أحد أسباب بروز المشاكل بين البنت وأهل زوجها وربما زوجها أيضاً، خصوصاً في الحالات التي يعيش فيها الزوج مع أهله "بمطبخ واحد".
وتضيف أم عبير قائلة: "قالوا (ربة بيت) وهذا يفرض على الفتاة أكثر من الرجل أن تتحمل مسؤولية المطبخ وتتفنن فيه، وألَّا تشعر الرجل أنها غير قادرة أو لا ترغب في ذلك، وإن كان عليه أن يكسر الروتين أحياناً بأخذها إلى المطاعم، والمرأة اليمنية تحرص دائماً على تعليم بناتها الطبخ قبل أن تزوجهن".
مراسل "الخليج أونلاين" سأل مجموعة فتيات وشباب من طلاب الجامعة: من يتحمل مسؤولية الطبخ في البيت اليمني؟ لكنهم رفضوا تسميته "مسؤولية وفرضاً" وفضلوا أن يتقاسم الزوجان المهمة بحسب القدرة، بدلاً من أن تكون الفتاة وحدها مسؤولة عن الطبخ وهي تتحمل مهام منزلية كثيرة، وتطمح في مواصلة دراستها والالتحاق بسوق العمل، وهذه النظرة تبدو سائدة لدى الشباب وتغيب عن كبار السن الذين يصرون على ارتباط الطبخ المنزلي بالمرأة.
صحيفة "واشنطن بوست" كانت أشارت إلى أن الحرب في اليمن قد أعطت دوراً أكبر للنساء، وجعلت مزيداً منهن ينفقن على أسرهن في الوقت الذي أصبح فيه الرجال يقومون بأعمال الطهي والتنظيف في المنزل، حيث فرضت الحرب وتدهور الوضع المعيشي العمل على المرأة بشكل أوسع، وعندما تتأخر في العودة إلى المنزل يقوم الرجل بتجهيز الوجبات.
وعندما تكون الحياة الزوجية شراكة فإن ذلك، بحسب متخصصي علم الاجتماع، يفرض التعاون والتفاهم ويعني أن يتحمل الزوج من مهام المنزل التي لا تتعارض مع كونه رجلاً، ومنها الطبخ، خصوصاً في المجتمع اليمني الذي لا يعتمد على وجود خادمة.
ويظهر توزيع أدوار الطبخ بين المرأة والرجل في بعض الأسر المنحدرة من الجنوب وخصوصاً العاصمة المؤقتة عدن، حيث يتحمل الرجل، بالتفاهم مع المرأة، مهام منزلية مختلفة منها الطبخ.
من منظور نفسي واجتماعي تنظر الغالبية في المجتمع اليمني إلى أن مهام الطبخ مسؤولية المرأة، وترسخ ذلك الأمر وأصبح قاعدة تُطالب المرأة بها، وإن وصلت إلى مستويات متقدمة من التعليم والعمل، في حين يكون الرجل وحده هو "الشيف" في المطاعم اليمنية باختلاف الأطباق.
عبد العزيز سلّام، المتخصص في الطب النفسي، يقول إن الرجل "قد لا يمانع أن يكون طاهياً في بيته إذا ما كان حبل الود بين الزوجين أقوى، وتميز الرجل بالعلم والثقافة وحسن المعاملة لزوجته".
ويشير سلّام في حديثه لـ"الخليج أونلاين" إلى أن الزوج اليمني "إن لم يستدع الموروث الاجتماعي بما فيه من عادات وتقاليد، فلن يكون أمامه أي حاجز لتحمل جزء من مسؤولية المطبخ الذي تتحمله زوجته غالباً طوال حياتها معه".
يتابع سلّام قائلاً: "قد يكون هناك انعكاس سلبي لعدم التوزيع العادل لمهام المطبخ بين الزوجين، ويظهر ذلك في الأشهر الأولى من تأسيس البيت، المرأة اليمنية سابقاً لم تكن تطالب بالعدالة في المطبخ، لكن المطبخ العصري يشكل عبئاً لا تتحمله المرأة وحدها، وهي تطمح أن تشارك الرجل في أحلام الدراسة والعمل".
واعتبر سلّام أن عدم تقبل الزوجين لأمور الطبخ كمهام ثنائية "يدفع كلاً منهما نحو الهروب من الآخر، حيث تفضل المرأة أن تأكل من مائدة أهلها أو تكتفي بوجبات سريعة لا عناء في تحضيرها، في حين يعتاد الرجل على الأكل في المطاعم ولا يتوقف عن توبيخ زوجته بعد ذلك، ويتوسع الأمر ليشمل دائرة الأسرة التي لا يرحم أفرادها الفتاة التي لا تجيد الطبخ، ويقللون من مكانة تلك التي تسمح لزوجها باستمرار أن يعتمد على الوجبات الجاهزة من المطاعم".
سلّام اختتم حديثه لـ"الخليج أونلاين"، قائلاً إن الصورة النمطية لدى المجتمع اليمني التي تربط المهام المنزلية كاملة بالمرأة أوصلت بعض النساء إلى الإيمان بها، "فالبعض يرفضن دائماً أن يقوم الرجل بأيٍ من مهام المنزل باعتبار ذلك تقليلاً من مكانته".
بعض الرجال اليمنيين يعتبرون دخول المطبخ "أمراً معيباً"، ولا يشاركون زوجاتهم أمور الطبخ ومهام التنظيف قبل الأكل أو بعده، في الوقت الذي لا يوفرون لها من يقوم بتلك المهام.
وإلى جانب مخاطر الأكل في المطاعم خصوصاً في ظل انتشار الأمراض والأوبئة وعدم وجود رقابة صحية عليها، يضيف الأكل في المطاعم فاتورة أكبر لليمنيين؛ لكن بعض الرجال يفضلون تحملها بدلاً من "إعلان الحرب المنزلية" مع الزوجة حول الطبخ.